الموقع الشخصي لعبد الرحمن بن ميهوب القداري

تحريم المرئيات بقوة التبيان *** إهداء إلى الشيخ الرحيلي سليمان

مستل من كتاب (بزوغ ضياء الفجر الوضاء على سحر مسألة التصوير بالأضواء)
لمؤلفه:
عبد الرحمن بن ميهوب القداري

مقدمة المؤلف

بسم اللّه الرحمن الرحيم

إن الحمد للّه، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده اللّه فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

وبعد: فهذا بيان لخطأ الشيخ الفاضل سليمان الرحيلي – حفظه الله – في فتواه حول المرئيات، التي اشتبه عليه أمرها، مما أدى به إلى عدم تحريمها. ولكنه مع ذلك نصح بتجنبها.

ونحن نرجو من الشيخ، إن كَتَبَ الله لهذه الرسالة أن تصله، أن يعيد النظر في هذه المسألة، ويجزم بحرمة كافة أنواع التصوير، ويعيننا على غلق باب هذه الفتنة. فالكثير من الشباب المحبين له يحتجون بأقواله وأفعاله. ونعلم أنه غير مسؤول عن هذا التقليد، ولكن بيانا منه قد يكون ذو أثر كبير، لعل الله يخفف عن هذه الأمة الغارقة في الشهوات.

ومع هذا، ننصح بقراءة الكتاب كاملا، أو على الأقل ملخصه، لفهم ماهية التصوير الضوئي فهما علميا لا سطحيا. وهذا أمر يستدعيه الحكم في هذه المسألة، لأنها كبيرة من الكبائر، وتمس توحيد صفة من صفات الله عز وجل.

وقد استللت هذا البيان من كتابي (بزوغ ضياء الفجر الوضاء على سحر مسألة التصوير بالأضواء) لتيسير نشرها، سائلين الله نفعه وذخره في الدنيا والآخرة.

السبب في تخصيص الشيخ بهذا الرد هو: كون الشيخ — حفظه اللّه — فهم أن المرئيات مجرد صور متحركة، ومع ذلك اشتبه عليه الأمر. قال الشيخ — حفظه اللّه —:

وأنا أقول أن الفقه يقتضي أن نقول إنه من المتشابهات، لما؟ لأنه يجتذبه أصلان، أصل يدل على التحريم، وأصل يدل على الإباحة، وهذا شأن المشتبه.
أما الأصل الذي يجتذبه إلى التحريم : فهو أنه تصوير وأن الصورة على الفيلم عندما كان التصوير في الأفلام : ثابتة، ويعتمد تحريكها على تقنية علمية تتعلق بسرعة إدراك النظر للصورة، من هنا هو صورة.
وأما الأصل الذي يجتذبها إلى الإباحة فهي أنها متحركة تحكي الواقع كما هو فهي شبه المرآة تماما، والتصوير الآن فيه حتى تصوير مباشر، فهو مثل النظر في المرآة إذا ضحك ظهر الضحك في الكاميرا وإذا عبس ظهر عبوسه في الكاميرا كالمرآة، وهذا أصل يجذبها إلى الإباحة، ولذا الذي ظهر لي في المسألة أنها من المشتبهات.

ومن أفضل الردود على هذا قول ناصر بن حمد الفهد1 في رسالته (الفيديو الإسلامي):

أن (الصور الثابتة) موجودة في هذه (الصور المتحركة)، فبزر واحد تقف هذه الصور وتثبت كما هو معروف ، فإن قلتم بأن الصور الثابتة محرمة فهذه الصور المتحركة وسيلة إليها ، وإن قلتم لا تحرم حتى تقف فوقوفها من أيسر الأمور ، ومن المعروف أن الشارع إذا حرم أمراً لم يبح طريق الوصول إليه .

وأيضا قول الشيخ سعد الخثلان، ولكن لما كان يشرح لماذا يرى التصوير الضوئي حلالا:

ولهذا فإن التصوير التلفزيوني هو نفسه التصوير الفوتوغرافي، لكنه مسرع سرعة كبيرة تصل ما بين ست عشرة إلى خمس وعشرين مرة في الثانية، بحيث لا يظهر ذلك التحريك السريع لا يظهر للعين.
ولهذا تجد أنه في بعض الأحيان عندما يحصل خلل في البث التلفزيوني ويتوقف، يتوقف على صورة فوتوغرافية، وبهذا يتبين أنه لا فرق بين فكرة التصوير الفوتوغرافي، والتصوير التلفزيوني، وبه نعرف أن من فرق بينهما في الحكم الشرعي، فأجاز التلفزيوني وحرم الفوتوغرافي أن هذا مبني على تصور غير دقيق لعملية التصوير.
بل إنه يلزم من أجاز التصوير التلفزيوني أن يجيز التصوير الفوتوغرافي، ويلزم من حرم التصوير الفوتوغرافي أن يحرم التصوير التلفزيوني، أما التفريق بينهما في الحكم فهو يشبه أن يكون تناقضًا؛ لأن فكرتهما في الأساس هي في الحقيقة فكرة واحدة، لكن في التلفزيوني تسرع الصورة، تسرع الصورة2 من ست عشرة مرة إلى خمس وعشرين في الثانية الواحدة.
لكن بعض العلماء الذين فرقوا بينهما رأوا أن الفوتوغرافي تكون الصورة فيه ثابتة، بينما التلفزيوني لا تبقى ثابتة، بل تختفي بمجرد إطفاء جهاز التلفاز، ولكن هذا الفرق في الحقيقة فرق غير مؤثر، ولا يقوى لأن يكون مبررًا للتفريق بينهما؛ لأن هذا الفرق يخضع لطبيعة استخدام كل منهما، وإلا فإن فكرة عملهما في الأساس واحدة.
وأقول: يلزم من قال: بأن هذا الفرق مؤثر، أنه لو أمكن إخفاء الصور الفوتوغرافية يكون حكمها حكم الصور التلفزيونية، وهذا لا يقول به أصحاب هذا القول، وقد وجد هذا بالفعل في الوقت الحاضر، في بعض أنواع الهواتف المحمولة الآن، بعض أنواع الهواتف المنقولة يمكن إبراز الصور الفوتوغرافية، ويمكن إخفاؤها داخل جهاز الهاتف.

أزيد فأقول:
الأصلين الذين ذكرهما الشيخ هما أصل واحد ذو وجهين، الأول علمي أصولي، الثاني حدسي ظاهري سطحي.

كان الشيخ معنا في فهم التصوير بفحواه ومعناه، فأصاب والحمد للّه، ثم انتقل إلى نفس شبه الخصوم من التسمية بالعكس والقياس على المرآة، فجانب الصواب.

أو لعل الشيخ — بارك اللّه فيه — اشترك مع المحللين في عدم تأصيل وتبسيط ماهية الصورة، واكتفى بالتسمية والقياس على المرآة، فاستطاع أن يجعل الصور الثابتة من التصوير المحرم، لأن ما في المرآة ليس ثابتا، فلما تحركت الصورة، لم يجد ما يضاده بها.

على أنه يوجد الكثير مما يبطل القياس بالمرآة:

  1. القدرة على إظهار صورة شيء دون حضوره. حتى ولو كان بثا مباشرا3.
  2. القدرة على تكرار المشهد.
  3. القدرة على إيقاف المشهد.
  4. القدرة على عكس تسلسل المشهد.

إلى غير ذلك من الفروق التي لا حصر لها، لأنها مجموعة الطرق التي تمكن من تعديل المرئيات.

وبما أننا شرحنا4 مرار وتكرارا ماهية الصورة ولماذا لا يهم كيف تتم صناعة الصورة وعرضها والفرق بين الصورة والانعكاس، إلى غير ذلك من المفاهيم الأساسية، فلا داعي للتكرار.

بل سنسلك مسلكا آخر لنعزز به ما سبق، ونلفت الانتباه للتناقض والغلط، ولتنبيه الغافلين.

فنتوكل على اللّه ونقول:

المثال الأول:
يلزم من يقول بتحليل المرئيات أن يقول أن كتب الرسوم المتحركة اليدوية5 حلال أيضا، لأنها تتحرك.

فإن قيل:

الكتاب يحتوي على رسوم ثابتة، ولا تتحرك إلا عند تقليب صفحات الكتاب بسرعة.

قلنا: وكذلك المرئيات. فإن قيل:

الرسوم في الكتاب تم صنعها وتشكيلها.

قلنا: وكذلك التي في المرئيات، فلا سبيل إلى كونها من غير تشكيلها، فهي صور أيضا.
فإن قيل:

الصور التي في الكتاب يدوية ويظهر عليها أنها مصنوعة.

قلنا: هذا فرق غير مؤثر، سواء صنعت يدويا أم آليا، ظهرت خطوات صنعها أم لم تظهر، فاللّب في الصورة، فهي موجودة وحقيقية. فإن رفضت التسليم بهذا، عاد الأمر إلى شرح التصوير الضوئي وكيفية عمل المصورات، فليراجع.

وظننا في الشيخ أنه يوافقنا في كون المرئيات مكونة من صور، فإن كان ذلك كذلك:

  1. أبعاض المرئيات صور، إذن كل أبعاض المرئيات حرام، فهي حرام.
  2. وجود مرئي يلزم صنع ماهو حرام، ألا وهي أبعاضه، الصور، وكل ما استلزم وجوده على فعل حرام فهو حرام.
    فلا يقال: «اصنع الحرام ثم اجمعه في سلسلة، ثم قَلِّب السلسلة بسرعة، فيصبح حلالا».
    هذا أشر من تحايل أصحاب السبت — وإن كان غير مقصود —، فوضع الشِّباك يوم الجمعة حلال، أما صنع الصور حرام.

المثال الثاني:
من يقول بهذا القول، يدعي أن المرئيات تحكي الواقع، أي أن الحركة أخرجتها من المضاهاة.

وهذا غريب، ولا يعلل مالذي نفى المضاهاة، فهم يقولون أن الصور مضاهاة، أي أنهم أفضل حالا ممن ينفي ذلك، ولا تغرهم شدة الدقة، ولذلك من الغريب جدا أن يقعوا في نفس الخطأ بمجرد زيادة الحركة، والتي هي مضاهاة أيضا.

وهذا كمن يقول: «التماثيل المجسمة حرام»، فإذا ما رأى رجلا آليا يتحرك، قال: «هذا حلال، لأنه يتحرك ويبتسم»6.

حتى التعليل بالمرآة لا يصح تعليلا لهذا الاستنتاج، لأنهم بداية ميزوا بين التصوير الضوئي والمرآة، وإنما نناقشه لبيان تناقضه.

أعود إلى الوجه الذي أردت بيانه — من قولهم أن المرئيات تحكي الواقع —:
هذا خطأ، فهي نسخة غير مطابقة له، وكل من تأمل ودقق، تبين له وجه قولنا هذا.
ومن علامات ذلك:

  1. رداءة الجودة الشائعة: ونقصد الضبابية. فهل الواقع مضبب؟ لا.
  2. تغير درجة الألوان: يلاحظ بعضكم تغير الألوان، كلون البشرة أو السماء، أو احمرار أو اصفرار المشهد، إلى غير ذلك. فهل هذا في الواقع؟ لا.
  3. تقطع وتثاقل العرض: قد يقع خلال المشاهدة تكسر حركة الأشياء في المرئي، بسبب بطأ الجهاز أو تدفق المعلومات. فهل هذا مما في الواقع؟ لا.
  4. في القرن الماضي، كانت المرئيات عديمة اللون، فقط ألوان رمادية، فهل الواقع رمادي؟ لا.

سأتوقف هنا لكي لا أطيل. وأرجو أن يكون هذا مما يزيد من بيان بطلان قياس المرئيات على المرآة.

من البدهيات أنك إن استطعت أن ترى شيخا، متى شئت، وهو يخطب ويحاضر، وفي نفس الوقت هذا الشيخ في الطرف الآخر من العالم، نائم أو يأكل بقلاوة، فقد نظرت إلى صورته، وأنت تفعل حرامًا أخي الكريم، سواء كانت صورته تتحرك أم لا، هذا يكفي المُنْصف، ولا يحتاج إلى شرح لعلم البصريات، ولكن قدر اللّه وما شاء فعل.

المثال الثالث:
منكم من يتذكر الشاشات القديمة، التي تتشوش فيها الصور أحيانا، فتظهر خطوط غريبة، وتتشوه الصور رغم تحركها، وتظهر فيها ألوان عشوائيا. وبعضكم يكون من الذين كانوا يضربون الجهاز لإصلاحه، وكان ذاك ينجح.

فهل انتبه المحللون للتصوير الضوئي إلى هاته الظواهر؟ ففيها دلائل على حقيقة هاته الأجهزة.

انكشف وهم الواقعية وفُضِحت كيفية التشكيل والتخطيط، اختلط الأمر على الجهاز فلم يحسن وضع الألوان في أماكنها.

تماما كما لو مرض الرسام، فظهر أثر ذلك على رسومه، إذ تزداد رداءة وتشوها كلما زادت حدة المرض. ربما تشفيه ضربة أو اثنان كتلك الأجهزة...

والمقصود، أن ذاك التصوير المتحرك ليس الواقع نفسه، بل هو نسخة منه، مشَكَّلَة ومخططة بآلة.

المثال الرابع:
معظم المرئيات الموجودة على الشبكة معدلة، ولست أعني من حيث الألوان، بل من حيث تسلسل عرض الصور، فكم منها يعرض مقدمة لمادة المرئي، وقد تظهر مؤثرات بصرية تتلاشى ببطء، ثم يبدأ لب المادة بالظهور، كمحاضرة شيخ أو ما شابه.

فإن كان ذلك كذلك، فمن الحَسَنِ أن لا يُغْفَل عن مثل هاته الحقائق، فهي تدحض قياس المرئيات على المرآة، فهي تعديل، والقدرة على التعديل دليل قوي على التشكيل والتخطيط.

مَثَلُ هذا القياس مَثَلُ من يقيس عصير العنب على الخمر المصنوع من العنب: كلاهما سائل ومصنوع من العنب وحلو ولهما نفس اللون، ولكن أحدهما مسكر.

فالإسكار علامة بينة وواضحة، ومن تجاهلها وحكم بحِلِّ الخمر لمجرد اشتراكه مع عصير العنب في الكثير من الخصائص، لم يحسن القياس.

كذلك الدقيق الأبيض والكوكايين، الصليب وعلامة الضرب الرياضية…

المثال الخامس:
الرسوم المتحركة، وهذا مثال جلي، فليس فيه وهم الواقعية، لأن الأشياء المتحركة تشبه الرسوم اليدوية، ولو كانت مرسومة بالحواسيب، لأنها لا تبدو واقعية.

فيلزم من يقول بحِلِّ المرئيات أن يقول بحلِّ الرسوم المتحركة، وإلا تناقض.

لأنه إن رفض، فحجته مثل حجة من حلل الصور الضوئية الثابتة، أي أنه جعل المظهر فرقا مؤثرًا، فواحدة تبدو مرسومة يدويا، والأخرى تبدو واقعية. وهذا مما أبطلوه هم أنفسهم لـمّا حرموا الصور الضوئية الثابتة. وهذا تناقض جلي.

فإن احتجوا بالحركة، فهم إنما عجزوا عن فهم وتصور إمكانية تحريك صور ضوئية، وهذا وإن كان بحد ذاته باطلًا، فالتحريك أمر هين سهل، إلا أننا نلفت نظرهم إلى حركة الرسوم اليدوية لزيادة في بيان بطلان تفريقهم.

المثال السادس:
ألعاب الحواسيب، وهذه أشد من المرئيات، لأنه يمكن التحكم فيها وتعديلها مباشرة من طرف اللاعب، وهي أيضا تصوير متحرك، لا شك ولا ريب، إلا ممن لا يفهم ماهيتها.

هناك من الألعاب ما يظهر رسوما تبدو يدوية الصنع، أي أنها لا تبدو واقعية، فهذه مثلها مثل الرسوم المتحركة في المثال السابق. وهناك منها ماهو واقعي المظهر، وهاته تزداد واقعية مع مرور الوقت بسبب زيادة قدرة وسرعة الحواسيب، فهي تستطيع حساب أماكن الألوان بكميات هائلة، بدقة متناهية، وسرعة خيالية. لو نظرتَ إليها لما فطنت لكونها لعبة، وظننتها تصويرا مباشرا بمصورة.

يا ترى، هل هذا مثله مثل المرآة؟ أم أنه تصوير شديد الحرمة لشدة المضاهاة فيه؟

الأمثلة كثيرة وكثيرة، ولكن نكتفي بهذا القدر، فنحن نخاطب المنصفين الطالبين للحق، والحمد للّه رب العالمين.


الحاشية:

1

من باب الأمانة والنصيحة للمسلمين، هذا الرجل ذو علم وذكاء وقاد، ولكنه انحرف عن الجادة وتبنى منهج التكفير، وهو حاليا مسجون في السعودية. نسأل الله له توبة نصوحا.

2

تنبيه: "تسريع الصورة" لفظ خطأ، بل يقال تسريع عرض سلسة الصور، فليست صورة واحدة. دقة الألفاظ مهمة لتجنب الالتباس.

3

راجع العنوان «هل التصوير الضوئي مجرد عكسٍ للضوء كالمرآة؟» (في الكتاب الكامل) أين شرحنا أن التصوير في الآلات يقع دون الضغط على زر التصوير.

4

في كتابنا المذكور آنفا، وملخصه.

5

التي تحتوي على سلسلة ضخمة من الرسوم المتتابعة، التي تبدو وكأنها تتحرك عندما يتم تقليب الصفحات بسرعة.

6

نعم حركة المجسم حقيقية على عكس حركة الصور، ولكن هذا فرق غير مؤثر لأن الصور حقيقية، واستخدامها لعمل إيهام لا ينفي أثره عل النفوس، فلا ينكر ذاك الأثر إلا مكابر.

رابط الكتاب:


للقراءة المباشرة من الملف: